الإبداع الفضائي

الإبداع الفضائي (https://www.fadaeyat.co/)
-   المواضيع الإسلامية (https://www.fadaeyat.co/f5/)
-   -   الحج تربية للنفس وتجرد من الذنوب (https://www.fadaeyat.co/fadaeyat97114/)

*HOB* 2 ذو الحجة 1436هـ / 15-09-2015م 17:08

الحج تربية للنفس وتجرد من الذنوب
 
الحج من أعظم تجارب تربية النفس على الصبر وتحمل المشاق في الأسفار، والتعاون على البر، والتضحية وكبح الهوى والوسوسة.. إنه إظهار للتذلل لله تعالى.. فالملابس بسيطة، لا تفرق بين غني وفقير وأصل وبلد وصغير وكبير.
https://www.fadaeyat.co/up/images/373...4652838854.jpg
ونسمع من بعيد الحجاج عند دخولهم مكة المكرمة يُرددون متضرعين لله العلي القدير: (اللهم هذا الحرم حرمك والبلد بلدك والأمن أمنك والعبد عبدك، جئتك من بلاد بعيدة بذنوب كثيرة وأعمال سيئة أسألك مسألة المضطرين إليك المشفقين من عذابك، أن تستقبلني بمحض عفوك وأن تدخلني فسيح جنتك جنة النعيم.اللهم إن هذا حرمك وحرم رسولك فحرم لحمي ودمي وعظمي على النار، اللهم آمني من عذابك يوم تبعث عبادك) .

الذهاب للحج قديماً
حدثنا قديما في ستينات القرن الماضي الحاج أبو منير الخليلي من سكان جبل النظيف في عمان أنه قام بأداء فريضة الحج إلى مكة المكرمة وهو شاب صغير وذلك في ثلاثينات القرن الماضي حيث أذكر أنه قال: لقد قمنا بالحج أنا وعدة أشخاص ذهاباً من عمان إلى مكة ركوباً على الجمال!! حيث أيامها لم تكن السيارات متوفرة ولا الطائرات... وقال: لقد كان الذاهب إلى الحج في ذلك الزمن البعيد يُعد شبه مفقود وقد يعود إلى أهله أو لا يعود.. حيث كانت الرحلة ليست سوى مغامرة محفوفة بالمخاطر والمهالك والله وحده المنجى لمن ينجو من الموت بسبب الأمراض أو الجوع أو العطش أو اللصوص وقطاع الطرق ، ما بين الصحاري والوديان والأراضي الوعرة والحيوانات المفترسة. وقال: «لقد رأينا الموت مرات كثيرة، ومنا من مات بالفعل على الطريق لسبب ما من الأسباب السابقة.»
وأذكر كذلك أنه قال: كانت عمان قديما أشبه بقرية كبيرة الكل يعرف الكل تقريباً.. وعند نيتي السفر للحج في تلك السنة القديمة صار معظم الناس يودعونني مشفقين عليَّ .. وداعين لي بالرجوع بالسلامة.. ثم يحملوني أمانات شفوية بأن أدعو لهم بالخير والأماني الأخرى عند باب الكعبة المشرفة عند وصولي إلى الحرم هناك.
ومما أشار إليه الحاج أبو منير كذلك، أنه أخذ عدة أسابيع من التحضير لهذه الرحلة المباركة، حيث أخذ يودع الناس ويطلب منهم السماح لأي شيء أو موقف أو تقصير أو إساءة صدرت منه سابقاً نحوهم ، قبل الذهاب إلى رحلة الحج ، تلك التي استغرقت منه عدة شهور في الذهاب والعودة.

رحلة الحج حديثاً
رحم الله أيام زمان وأيام السفر للحج على الجمال والدواب وغير ذلك عبر البلاد البعيدة مثل الحجاج القادمين من بلاد المغرب العربي أو أقاصي الشام وتركيا وبلاد شرقي آسيا كالهند وباكستان وبخارى وطشقند والقفقاس وغير ذلك من مشارق الأرض ومغاربها .. قاصدين المدينة المنورة ومكة المكرمة.. فقد كان هؤلاء الحجاج قديماً يودعون أهاليهم ومعارفهم وداع المفارق، وعند عودته إلى وطنه يستقبله أهله استقبال الناجي من الهلاك، والفائز برضا الله وثوابه.
أما في أيامنا الحاضرة وبعد أن تقدمت وسائل المواصلات والاتصالات وكثرت السيارات والطائرات والشوارع والمطارات، فقد أصبح الأمر أكثر سهولة وأمناً واطمئناناً للحجاج وأهاليهم ، في تلك الرحلة غير المقلقة للجميع. فقد أصبح الحاج خلال أيام يصل إلى مكة، أو خلال ساعات بالطائرة مثلاً.. وأصبحت وسائل الراحة من الطعام والإقامة والتنقل مؤمنة وميسورة، بدرجة كبيرة عما كان قبل عشرات السنين.

عادات وطقوس
هذا، قد تبدلت وتغيرت أو اختفت بعض العادات الاجتماعية التي كانت سائدة في المجتمعات الإسلامية الخاصة بالإعداد لرحلة الحج والقدوم من الحج مثلاً.. ومنها أن أهل الحاج قديماً كانوا يجتمعون لعدة ليالٍ قبل سفر الحاج وخروجه من بيته وبلده للذهاب إلى مكة وذلك لتوديعه مع القافلة أو المجموعة الذاهب معها..
أما الآن في أيامنا فقد اختلف الأمر.. فقد صار بعض الحجاج يذهبون للحج دون أن يعلم جاره أنه مسافر للحج مثلاً؟! ودون أن يذهب الحاج بنفسه إلى بيوت أقاربه وجيرانه ومعارفه كي يستسمحهم (أي يطلب السماح منهم) عن أي ذنب اقترفه نحوهم، أو ليسدد ديونه .
ودون أن يكلف الحاج نفسه بأخذ الطعام والشراب والمؤونة كي تكفيه عدة أشهر على الطريق.. فما من حاجة إلى ذلك فالطعام والشراب والعلاج متوفر في كل مكان يصلون ويمرون به ، خلال طريقهم أثناء سفرة الحج هذه.
وقديما كان الأهل عندما يغادر الحاج منزله إلى الحج يبدأون بطلاء جدران الدار من الداخل والخارج ويأخذون بتزيين مداخل البيت بالرسوم والألوان الشعبية.. بعكس هذه الأيام فالزينة جاهزة ويشتريها الأهل من محلات بيع الزينة مثل أغصان النخيل ولافتات الترحيب وصور ورسوم الكعبة وعبارات المباركة بالحج التي تكون مطبوعة ومصنوعة على اللافتات الجاهزة (سعياً مشكوراً وحجاً مبروراً وذنباً مغفوراً إن شاء الله) وغيرها من عبارات ولافتات أبدع المصممون في إنتاجها وعرضها في المكتبات في عمان مثلاً.

هدايا الحجاج
ومن الثابت أن الحجاج لابد لهم من إحضار الهدايا للأهل وللزوار، عند قدومهم للتهنئة بأداء فريضة الحج وسلامة العودة إلى الوطن والأهل والدار.. فقد ظلت معظم الهدايا القادمة من الأراضي المباركة متوارثة من جيل إلى جيل ومن زمن إلى زمن حيث هي «الهدايا» تلك مرتبطة بهذا الطقس والواجب الديني المقدس (الحج) وهي مثل:
سجادات الصلاة الملونة والمزخرفة، ومسابح اليد للتسبيح، والحنة للشعر، والعطور والروائح كالمسك والعنبر، وماء زمزم الشافي المقدس, وطواقي ودشاديش الرجال والأولاد، وحلي الزينة للبنات كالأساور والأقراط والعقود والأثواب، ثم التمور والبخور ومصاحف القرآن والمطرزات والمنسوجات الأخرى، وهدايا الأطفال.

من آداب الحج
للحج آداب عظيمة وأخلاق قويمة يحسن بالحاج أن يلتزم بها ليكون حجه كاملاً مبروراً وسعيه مقبولاً مشكوراً، ومن تلك الآداب والأخلاق يقول الشيخ محمد الحمد:
- حُسن العشرة للأصحاب، ومن ذلك أن يقوم الإنسان على خدمتهم بلا منة ولا تباطؤ, وأن يشكرهم إذا قاموا بالخدمة، وأن يتحمل ما يصدر من الرفقاء من جفاء أو غلظة ونحو ذلك, وأن يرى الحاج أن لأصحابه عليه حقاً، ولا يرى لنفسه عليهم حقاً, فذلك من كريم الخلال ومن حميد الخصال, وما ترفع به الدرجات وتحط السيئات.
- ومن الآداب مع الأصحاب أن يحرص الحاج على الالتزام بالمواعيد، وأن يتلطف بالاعتذار إن حصل خطأ أو تأخير أو خلل, وأن يتحمل ما يصدر عنهم من عتاب إذا هم عاتبوا، وأن يتقبل العذر من غيره إذ هم أخطؤوا بتأخر أو خلل, فذلك دليل على سمو النفس، وبُعد الهمة وحسن المعاشرة، فالعاقل اللبيب الكريم هو من يتحمل أذى الناس ولا يحملهم أذاه.
- كذلك حفظ اللسان بتجنب فضول الكلام وسيئه، والبعد عن الغيبة والنميمة والسخرية من الناس، وبالحذر من كثرة المزاح ، و أن يحذر الحاج المماحكة والمخاصمة والمجادلة.
- استشعار عظمة الزمان والمكان الذي هو فيه, فذلك يبعث في نفس الحاج أهمية الإخلاص والتفرغ لأداء مناسكه ، بخضوع وخشوع وإجلال لله عز وجل.


الساعة الآن » 10:50.

Powered by vBulletin
.Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd