الإبداع الفضائي

الإبداع الفضائي (https://www.fadaeyat.co/)
-   معلومات عامة ، حدث في مثل هذا اليوم (https://www.fadaeyat.co/f4/)
-   -   حاكم نفسك وبدد القلق (https://www.fadaeyat.co/fadaeyat95784/)

*HOB* 18 شوال 1436هـ / 3-08-2015م 11:45

حاكم نفسك وبدد القلق
 
د. فيصل غرايبة - إذا كانت الشرائع السماوية تقول أن كل ابن ادم خطاء وخير الخطائين التوابون ، ومن كان منا بلا خطيئة فليرجمها بحجر، فان ذلك يقر بحقيقة أن الخطأ يمكن أن يحصل من أي إنسان تجاه الآخرين أو اتجاه الأشياء ولكنه يخطئ بحق نفسه وليس إليها في الحالتين، وهو ما يعبر عنه بالندم أو بالمغفرة أو بالشعور بالذنب‘اذ أن من الحكمة أن يحاسب الإنسان نفسه في نهاية كل يوم، ويعرف أين أخطا قبل أن يعرف أين أصاب، ولماذا أخطا، ومع من أخطأ، وبعد ذلك كيف كان عليه أن لا يخطئ ذلك الخطأ، وكيف يتجنب الدوافع التي جعلته يخطئ،و كيف يمكن أن يزيل الآثار السالبة على علاقته مع الآخر الذي أخطا معه.وإذا كان لا بد للإنسان أن يخطئ، فان من الصواب بالمقابل أن يستفيد الإنسان من الخطأ حتى يصوب مسيرته ويقوم سلوكه ويغير من منهجه، أما إذا ظل يكرر الأخطاء ويراكمها بدون حساب وبدون محاكمة ذاتية واعية وبدون اخذ الدروس والعبر، فان ذلك يفقده الرغبة الصادقة في تحسين نفسه، لا بل ويساعدها على الانحدار التدريجي نحو الهاوية الاجتماعية التي لا يجد فيها من يساعده على إزالة تعثره ولا يصادف من يتسامح تجاهه بما أخطا وبما أساء .

https://www.fadaeyat.co/up/images/928...0822832552.jpg

التجربة في مواجهة أعباء الحياة
يقول أحد الأمثال الصينية أن الرجل المسن يكون قد عبر جسورا أكثر مما اجتاز الشاب من طرقات ... وفي هذا القول إشارة قوية إلى أن التجربة في مواجهة أعباء الحياة لا تتأتي إلا مع مرور الزمن وفي مراحل العمر المتقدمة مرحلة تلو مرحلة .فلا شك أن عبور الجسور هو أصعب من حيث انه يدل على عملية اجتياز من واقع إلى واقع آخر جديد، لا يشكل امتدادا طبيعيا سلسا للواقع الراهن، وهذا الاجتياز يشكل تجربة حياتية ليست سهلة، وهي غير مألوفة، ولكنها عبور إلى الجديد الغريب المجهول .ان مثل هذا القول يعكس تجربة الانسان في بداية مرحلة الشباب باجتياز الطرقات المتجاورة المجهدة التي ترى من بدايتها نهايتها وتدرك بسهولة تقاطعاتها، فضلا عن إمكانية المشي عليها بدون تجربة سابقة ومن غير توجس، يصلح معها اندفاع الشباب وتطلعهم إلى المستقبل والى الغد، بعكس كبار السن الذين علمتهم التجربة التمعن والتبصر وتقدير النتائج وتخمين العواقب قبل الشروع في السير نحو المجهول أو المضي نحو الغد .

الانتقال إلى المجهول يتطلب حكمة ودراية
أن اجتياز الصعوبات والانتقال إلى المجهول يتطلب حكمة ودراية ... وهذا ما يعبر عنه بحنكة الشيوخ، ولكن ذلك لا يعني ولا يجوز أن يعني أن يكون التردد أو التأجيل أو التطويل باتخاذ القرار أو المضي في الطريق نحو الإنتاج والانجاز هو شعارنا أو مبدأنا في الحياة، وإنما الحكمة والدراية والعظة ودروس الحياة المختلفة والمتنوعة والمتعددة. كما أن ذلك لا يعني أن المجتمع بغنى عن خطوات شابة فتية متحمسة وثابتة تنقله من حال ساكن إلى ظاهرة ديناميكية تتجه إلى المستقبل وتتطلع إلى الغد وتعتمد على الشباب كقوة دافعة متدفقة متشجعة للمشاركة في الإنتاج والانجاز .
خلاصة المعادلة، أن المجتمع في بنائه وتنظيمه وتنميته وتطوره وتجدده ، لا يستغني عن حنكه الشيوخ ولا عن حماسه الشباب، فهي كلها عقول للتفكير وسواعد للبناء لا تستبعد ولا تعطل ولا تهمل في المجتمع الذي يتسع للجميع ويتعاون فيه الجميع من اجل سعادة المجموع

نمط طريف من محاكمة الذات
حدث أن قامت البلدية في إحدى المدن الفرنسية بتثبيت صناديق تشبه صناديق القمامة في مختلف أنحاء المدينة، وطلبت من السكان أن لا يضعوا في هذه الصناديق إلا همومهم النفسية، بعد أن يفرغونها كتابة على الورق ويلقونها في هذه الصناديق، ولتكون هذه العملية وسيلة لتفريع شحنة الانفعالات التي تتراكم في نفس الإنسان بسبب القلق تجاه الحياة وتعقيداتها ومتطلباتها وتجاه العلاقات بين الناس وتراكماتها السالبة خاصة .واضافت البلدية الى ذلك ان أعلمت سكان المدينة في جميع أحيائها، أن عمال القمامة أو سيارات تجميعها أو طحنها لن تمر من أمام أي صندوق من تلك الصناديق لأخذ ما ستمتلئ به، ولكن الذي سيمر عليها لجمعها هم أعضاء الفرقة المسرحية في المدينة، الذين سيدرسون ما تحتويه هذه الصناديق من إجابات السكان، بعد تعبئتهم الاستبيانات التي ستوزع عليهم وتسألهم عن همومهم وجوانب قلقهم وانماط توتراتهم النفسية، ثم سيصنف اعضاء تلك الفرقة هذه الإجابات، ويعيدون صياغتها على شكل سيناريو يصلح للتمثيل في مسرحيات شعبية تعرض في الساحات العامة بالمدينة، وهي تعالج بحكمة وبشكل تمثيلي توجيهي تلك الهموم والمتاعب النفسية، وبذلك تعين على حل اشكاليتها وتريح أصحابها من عنائها.

لقيت الفكرة تجاوبا في اوساط المدينة وحاراتها المختلفة، بما لم يكن يتوقعه رئيس البلدية أو قائد الفرقة المسرحية، ليس لظنهما انه لا توجد صنوف من القلق يعاني منها اهل المدينة، بل لأنه الفكرة قد وجدت تجاوبا شعبيا إلى ذلك الحد فهل تروق مثل هذه الفكرة لرؤساء بلديات المملكة في الأردن وفي طليعتها أمانة عمان الكبرى،لتسهم في تخفيف الضغوطات والتوترات النفسية لدى المواطنين؟

الراحة النفسية
لا تقل أهمية عن المحيط النظيف
إن الراحة النفسية لسكان المدينة لا تقل أهمية عن توفير محيط نظيف أو مد تمهيد طريق، أو إخلاء رصيف للمشاة، وما الحدائق والمتنزهات وزراعة الساحات والميادين وتركيب نوافير المياه فيها، ما هو إلا نوع من توفير الأسباب والظروف المساعدة على حصول الراحة النفسية للسكان في أية مدينة. على العكس من الضجيج باستخدام الأبواق بكثرة عند قيادة السيارات بدون مبرر،أو رفع أصوات المذياع والتلفاز والعزف على آلة موسيقية،وكذلك تبادل الشتائم في الشارع العام، أو رمي المهملات في غير المكان المخصص و مراكمة القمامة حول الحاويات، فهي من مبعدات الراحة النفسية عن السكان. أما الفكرة الفرنسية الآنفة الذكر فهي تعنى مباشرة بالحالات الخاصة و الظروف النفسية للأفراد ، فتصبح مكملة لغيرها من الجهود، و منقية للأجواء المحلية من ما شأنه أن يعكر المزاج و يزيد من الغمامة على النفس.

مهمة جديدة تضاف إلى مهام البلدية
تضيف هذه الفكرة الفرنسية الجميلة مهمة جديدة إلى مهام البلدية ، وهي مهمة نراها غريبة على البلديات الأردنية والعربية ، حيث نحصر مفهومنا عن الخدمة البلدية على ما يتعلق بالنظافة العامة و تعبيد الشوارع وإنارتها والأرصفة وصيانتها، ولكننا لا نبرز حقيقة دور البلدية في توفير الأسباب لراحة الإنسان داخل بيته وخارجه، ومنها الجانب النفسي، حيث يضع الاهتمام فيه حدا للتوتر والقلق، أقول ذلك وأنا أسمع مرة وألمس مرة أخرى عن انتقاد البلديات أو توجهها إلى العدول أو التخفيف من اهتمامها بالجوانب الثقافية والاجتماعية، ويطالبها البعض أن تصب جهودها وتركز اهتمامها وتوفر أموالها للقيام بالدور التقليدي العهود.

... وختاما نقول
آن لنا أن ندرك أن التقصير في الخدمات التقليدية لا ينشأ غالبا عن ضيق ذات اليد أو قصر نطاق التمكن، ولكنه أي ذلك التقصير يرد في معظمه إلى عدم الشعور بالمسؤولية، وقلة المتابعة، والتركيز على خدمة منطقة دون أخرى، والانصراف على المغانم الخاصة، وإلى ما إلى ذلك من أسباب. واما المواطن الانسان فعليه ايضا مسؤولية تجاه نفسه، تتمثل بالمحاكمة والمحاسبة، ليقر الصحيح ويزيل الخطأ في حياته الخاصة، ويصوب من اسهامه في خدمة المصلحة العامة.


الساعة الآن » 14:52.

Powered by vBulletin
.Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd