الإبداع الفضائي

الإبداع الفضائي (https://www.fadaeyat.co/)
-   المواضيع الإسلامية (https://www.fadaeyat.co/f5/)
-   -   اول لية فى القبر (https://www.fadaeyat.co/fadaeyat92998/)

مختار شاهين 8 ربيع الثاني 1436هـ / 28-01-2015م 06:46

اول لية فى القبر
 
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمد صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ } آل عمران- آية:102.
{ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا } النساء- آية:1.
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا، يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا } الأحزاب - آية: (70،71). ثم اما بعد
جاء ابن أحد الخلفاء إلى الإمام مالك رضي الله عنه يطلب العلم، فأملاه الإمام خمسة أحاديث، فقال الولد حين همّ بالانصراف: " يا إمام. إنها غالية. سأكتبها بالذهب". قال له الإمام: "لا تكتبها بالذهب، ولكن أعمل بها تكن أغلى".
نعم, إن القضية ليست كتابة القرآن بالذهب، ولا كتابة السنة بالذهب, ولا بناء مساجد من الذهب، إنما القضية قضية العمل، العمل بهذا الكتاب وهذه السنة وتعمير تلك المساجد
الاستعداد للقاء الله تعالى لان الإنسان مأمور بالاستعداد للقاء الله تعالى في كل حين , فإنه لا يدري متى تأتيه رسل ربه لقبض روحه ؟
وقد قال عز وجل : (وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ).
وقال تعالى : ( كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ).
قال بعض السلف هذه الآية فيها تعزية لجميع الناس فإنه لا يبقى أحد على وجه الأرض حتى يموت , فما أسعد من استعد لهذه الساعة ! قال جبريل عليه السلام لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم :
( يا محمد , عش ما شئت فإنك ميت وأحبب من شئت فإنك مفارقه واعمل ما شئت فإنك مجزي به ).
اخوتي فى الله : كم رأينا من شخص أطلق نفسه في شهوات هذه الدنيا ووقع أسير اللذة وغفل عن ذكر الموت والحساب فإذا نصحه الصالحون ما كان منه إلا أن اعتزا بشبابه وغرّه طول الأمل , فو الله لقد فاجأه الموت فأصبح اليوم في التراب دفيناً , وصار بما قدّم من السيئات مرتبطاً رهيناً , ذهبت عنه اللذات , وفارقته الذات , وبقيت في عنقه التبعات , وأقبل على الجبار بأعمال الفسقة الفجار.. أعاذنا الله وإياكم من صحيفة كصحيفته , ومن خاتمة كخاتمته.
فاتقي الله ياعباد الله ..
واعلموا أن هذه الدنيا قد ارتحلت مدبرة , وأن الآخرة قد ارتحلت مقبلة , واذكروا ساعة الموت والانتقال , وما يتمثل لديكم ساعتها من كثرة السيئات وقلة الحسنات ..
ولو أنا إذا متنا تُركنا ........... لكان الموت راحة كل حي
ولكنا إذا متنا بُعثنا ............. ونُسأل بعدها عن كل شيء
أخواتي في الله:
اعلموا أننا في رحلة , واعلموا أن لكل بداية نهاية , ولكل أول آخر , وأن كلاً منا , صغيراً كان أو كبيراً , لا بد وأن يأتي يوم يقال فيه : أحسن الله عزاءك في فلان .. فالموت حالٌ لا محالة .. قال تعالى :
( وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ) .
الموت .. فالقبر .. فالحساب .. فالجزاء .. إن كان خيراً فخير , وإن كان شراً فشر ..
لا دار للمرء بعد الموت يسكنها 00 إلا التي كان قبل الموت يبنيها
يقول أحد الشعراء الحكماء المسلمين:
فارقت موضع مرقدي يوماً ففارقني السكون.
يقول : في ليلةٍ ذهبت من بيت أهلي إلى بيت جيراني لأنام ليلة , فما أتاني النوم لأنه تغيّر عليّ المنام والمبيت.
فارقت موضع مرقدي يوماً ففارقني السكون .. القبر أول ليلةٍ بالله قل ما يكون ؟
كيف شعورك فيه ؟
كيف يكون حالك ؟
ماذا تقول ؟ كيف أؤنسك ؟
أين أهلك ؟ أين أبوك ؟ أين امك ؟ أين اخوك ؟ اين زوجتك ؟ اين أبناؤك
إذا كان هذا القبر أول حفرةٍ ...... ليوم المعاد والمحبين أكثرُ
فماذا تقول اليوم من بعد حسرةٍ ... تلاقي بها المعبود والله أكبرُ
أول ليلة في القبر ... كلها أول جلسة ... أول ليلة تسمى ليلة الصفر ... ساعة الموت ... يوم تُطرح بأكفانك في تلك الحفرة التي طُرح فيها أبوك وجدك .
الملوك طُرحوا فيها وتركوا الجنود .. تركوا الحرس .. تركوا القصور .. ثم نزلوا بهذه الحفرة.
ثبت في الحديث الصحيح عن عثمان رضي الله عنه أنه كان إذا وقف على القبر بكى , وكان إذا ذُكرت له الجنة والنار لم يبكِ كبكائه للقبر , فقالوا له :
تذكر الجنة والنار ولا تبكي ؟!
قال : أخبرني خليلي صلى الله عليه وسلم أن القبر أول منزل من منازل الآخرة.
إنها كلمات صادقة من نبي كريم !
القبر أول منزل من منازل الآخرة !
تفكر اخي في الله في تلك الليلة الأولى .. إذا ضُجِعت في تلك الحفرة وحيدا فريدا بالأعمال والأقوال.
تذكري اخي في الله تلك الليلة .. أول ليلة تمرّ عليك في القبر.
تذكروه فإن لها في قلوب المؤمنين وقعاً , إن لها في قلوب الصالحين أثراً يدفع إلى الطاعات , ويجعل العبد في جدٍ واجتهادٍ من المرضات , تذكروا أول ليلة في القبر , وحفزوا النفس للقاء الواحد الأحد وتجمّلوا بالعمل الصالح علّكِم تصيبوا من رحمة الله ما يكون لكم سبباً في النجاة من ذلك الهول..
مرّ علي رضي الله عنه بالمقابر فقال :
السلام عليكم يا أهل الديار الموحشة , أنتم لنا سلف ونحن لكم تبع , وإنا بكم عما قليل لاحقون , اللهم اغفر لنا ولهم , وتجاوز عنا وعنهم , طوبى لمن ذكر الموت والمعاد وعمل للحساب.
ثم قال : يا أهل القبور , أما الأزواج فقد نُكحت , وأما الديار فقد سُكنت , وأما الأموال فقد ُقسّمت , هذا خبر من عندنا , فما خبر من عندكم ؟
مالي أراكم لا تجيبون ؟
ثم التفت إلى أصحابه رضي الله عنه فقال :
أما إنهم لو تكلموا لقالوا وجدنا أن خير الزاد التقوى .. فبكى رضي الله عنه وأبكى أصحابه.
اخوتي في الله , لا تغترّوا بصموت أهل المقابر , فكم من نفس فيها تحاسب ! وكم من نفس فيها تفتن ! وكم من نفس فيها تعذب ! وكم من قبر فيها يضيق فتختلف ضلوع صاحبه.
لو تكلم القبر لقال :
أنا بيت الظلمة , أنا بيت الوحدة , أنا بيت الوحشة , أنا بيت الغربة , أنا بيت الدود والهوان , نزعتُ الكفين من الكوعين , والفخذين من الركبتين , والركبتين من الساقين , والساقين من القدمين , لو رأيتم الميت بعد ثلاث ليالٍ في بطني لاستوحشتم منه , سالت مقلتيه على خديه , وتقلصت شفتاه عن أسنانه , وخرج الصديد والدم من الأنف والفم , انتفخ بطنه وعلا صدره , فرحماك ربي ! رحماك ربي !
كان عمر بن عبد العزيز أميراً من أمراء الدولة الأموية، يغيّر الثوب في اليوم أكثر من مرة، الذهب والفضة عنده، الخدم والقصور، المطاعم والمشارب، كل ما اشتهى وطلب وتمنى تحت يده، وعندما تولى الخلافة وأصبح مسئولاً عن المسلمين، انسلخ من ذلك كله؛ لأنه تذكّر أول ليلة في القبر.
وقف على المنبر، فبكى يوم الجمعة، وقد بايعته الأمة، وحوله الأمراء والوزراء، والعلماء، والشعراء، وقواد الجيش، فقال: خذوا بيعتكم، قالوا: ما نريد إلا أنت، فتولاها، وهو كاره، فما مرّ عليه أسبوع، إلا وقد هزل وضعف وتغيّر لونه، ما عنده إلا ثوب واحد، قالوا لزوجته: مال عمر؟ قالت: والله ما ينام الليل، والله ولكن ماذا بعد ذلك: إنه يأوي إلى فراشه، فيتقلّب كأنه ينام على الجمر، يقول: آه آه، توليت أمر أمة محمد يسألني يوم القيامة الفقير والمسكين، الطفل والأرملة.
قال له أحد العلماء: يا أمير المؤمنين، رأيناك وأنت ولي مكة، قبل أن تتولى الملك، في نعمة وفي صحة وفي عافية، فمالك تغيّرت، فبكى حتى كادت أضلاعه تختلف، ثم قال لهذا العالم
وهو ابن زياد: كيف يا ابن زياد، لو رأيتني في القبر بعد ثلاثة أيام، يوم أجرد عن الثياب، وأتوسد التراب، وأفارق الأحباب، وأترك الأصحاب، كيف لو رأيتني بعد ثلاث.. والله لرأيت منظراً يسوءك، فنسأل الله حسن العمل
والقبر روضـةٌ من الجنان أو حفرةٌ من حفر النيـران
إن يك خيراً فالذي من بعده أفضل عنـد ربنـا لعبـده
وإن يكن شـراً فبعـده أشد ويل لعبدٍ عن سبيل الله صد
عباد الله :
أقول ما تسمعون وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.
الخـطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على إمام المتقين، وقدوة الناس أجمعين، وعلى آله وصحبه والتابعين.
أتيت القبور فناديتها .............. أين المعظم والمحتقر ؟
تفانوا جميعاً فما مخبرٌ ......... وماتوا جميعاً ومات الخبر
فيا سائلي عن أناسٍ مضوا ....... أمالك فيما مضى مُعتبَر ؟
أتيت القبور.. قبور الرؤساء والمرؤوسين، الملوك والمملوكين، الأغنياء والفقراء، استوت جميعاً عند الله – تبارك وتعالى – أرأيت قبراً مُيز عن قبر؟ أأنزل الملك في قبر من ذهب أو من فضة؟ والله لقد ترك ملكه، وقصوره، وجيشه، وكل ما يملك، ولبس قطعة من القماش، كما نلبس، ولحد له في التراب.
ولدتـك أمـك يا ابن آدم باكيـاً والناس حولك يضحكون سروراً
فاعمل لنفسك أن تكون إذا بكـوا في يوم مـوتك ضاحكاً مسروراً
أتعرف قبر الملك من المملوك ؟ أتعرف قبر الغني من الفقير ؟
مالنا لا نفكر ؟ مالنا لا نتدبر ؟ مالنا لا نعدّ إعداداً جيداً للقاء الواحد الأحد ؟
( وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى).
قال أبو نعيم في الحلية :
كان مطرف بن عبد الله أحد الصالحين يزور المقابر فيبكي ويدعو لهم , وفي ليلة من الليالي ما زارهم .. كانت الليلة باردة ممطرة فترك زيارتهم , فرأى في المنام كأن رجلاً من أهل المقابر من المسلمين يقول :
يا مطرف , ما زرتنا الليلة , والله الذي لا إله إلا هو يا مطرف أنا نستأنس بزيارتك , وإن الله ينور قبورنا بزيارتك أسبوعاً كاملاً , يا مطرف تزود من "لا إله إلا الله" فقد حيل بيننا وبين "لا إله إلا الله" .. والله لو تعلم يا مطرف نفع لا إله إلا الله لقضيت بها أنفاسك.
قال تعالى : ( وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ كَمَا فُعِلَ بِأَشْيَاعِهِمْ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا فِي شَكٍّ مُرِيبٍ).
فانظر يا عبد الله مقامك وتوهّم مكانك , ومن أي أولئك تكون ؟
إن أعظم الخسارة خسارة أولئك الذين وصفهم الله تعالى بقوله : ( قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ).
وأعظم الفوز قوله تعالى : ( فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ).
اخواني، انتبهوا من غفلتكم، فنوم الغفلة ثقيل، وشمّروا لآخرتكم، فطريق مهما طل فى هذه الدنيا قصير والموت كأس للابد من تذوقه فعمل لهذا اليوم قبل فوت الاون
جلس الحسن البصري ذات يوم يعظ الناس، فجعلوا يزدحمون عليه ليقربوا منه، فأقبل عليهم، وقال: يا اخواتاه، تزدحمون عليّ لتقربوا مني؟ فكيف بكم غدا في القيامة اذا قرّبت مجالس المتقين، وأبعدت مجالس الظالمين، وقيل للمخفين
جوزوا، وللمثقلين حطوا؟ فيا ليت شعري: أمع المثقلين أحط، أم مع المخفين أجوز؟ ثم بكى حتى غشي عليه، وبكى من حوله، فاقبل عليهم وناداهم، يا اخوتاه، ألا تبكون خوفا من النار؟ ألا من بكى خوفا من النار نجاه الله منها يوم يجرّ الخلائق بالسلاسل والأغلال.يا اخوتاه، ألا تبكون شوقا الى الله. ألا وإن من بكى شوقا الى الله، لم يحرم من النظر غدا الى الله اذا تجلى بالرحمة، واطّلع بالمغفرة، واشتدّ غضبه على العاصين.
يا اخوتاه، ألا تبكون من عطش يوم القيامة؟ يوم يحشر الخلائق وقد ذبلت شفاههم، ولم يجدوا ماء الا حوض المصطفى صلى الله عليه وسلم، فيشرب قوم، ويمنع آخرون. ألا وانّ من بكى من خوف عطش ذلك اليوم سقاه الله من عيون الفردوس.
فيا عجباً ممن آثر الحظ الفاني الخسيس , على الحظ الباقي النفيس , وممن باع جنة عرضها السماوات والأرض بسجنٍ ضيقٍ في هذه الدنيا الفانية !
ويا عجباً ممن باع سماع خطاب الرحمن .. بسماع المعازف والغناء !
فتذكر يا غافلاً عن الآخرة وتفكر في الموت وما بعده فكفى به قاطعاً للأمنيات , وحارماً للذات , ومفرقاً للجماعات , كيف والقدوم على عقبه لا تدري المهبط بعدها إلى النار أم إلى الجنة ؟!
وأنا أطالب نفسي وإياكم معاشر المسلمين أن نهيئ لنا نوراً في قبورنا أول ليلة، ولا ينير القلوب إلا العمل الصالح، بعد الإيمان بالله.
سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين ..


الساعة الآن » 17:07.

Powered by vBulletin
.Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd