الإبداع الفضائي

الإبداع الفضائي (https://www.fadaeyat.co/)
-   المواضيع الإسلامية (https://www.fadaeyat.co/f5/)
-   -   فوائد إقامة شرع الله في الأرض (https://www.fadaeyat.co/fadaeyat5271/)

ابو نضال 12 ربيع الثاني 1430هـ / 7-04-2009م 23:49

فوائد إقامة شرع الله في الأرض
 
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد الأولين والآخرين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد..



فمما يطنطن به بعضُ خصوم الإسلام، ويشتبه على السذّج والبسطاء من المسلمين: الزعم بحصر الشريعة الإسلامية في تلك العقوبات المعروفة بالحدود الشرعية، والزعم بأن غاية ما يسمى بالدولة الإسلامية إنما هو إنزال تلك العقوبات بأفراد المجتمع، وأن تطبيق الشريعة الإسلامية ليس سوى تطبيق هذه الحدود فقط، وليس عند دعاة تطبيق الشريعة الإسلامية- بزعمهم- غير الدعوة إلى إقامة الحدود.. فما مدى صحة هذه المقولة الشائهة؟



وما مثل هؤلاء الذين في محاولتهم التشويه والتشويش على الشريعة الغراء إلا كما جاء في الحديث الذي أخرجه أحمد وابن ماجه عنْ أَبِي هرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "مَثَلُ الَّذِي يَجْلِسُ يَسْمَعُ الْحِكْمَةَ ثُمَّ لاَ يُحَدِّثُ عَنْ صَاحِبِهِ إِلاَّ بِشَرِّ مَا يَسْمَعُ كَمَثَلِ رَجُلٍ أَتَى رَاعِيًا فَقَالَ يَا رَاعِي أَجْزِرْنِي شَاةً (أي أعطني شاة تصلح للذبح والأكل) مِنْ غَنَمِكَ. قَالَ: اذْهَبْ فَخُذْ بِأُذُنِ خَيْرِهَا. فَذَهَبَ فَأَخَذَ بِأُذُنِ كَلْبِ الْغَنَمِ".



فهؤلاء بدلاً من تناول الشريعة على الوجه الذي جاءت به من الكمال والشمول والمصلحة التامة للبشرية والسمو بالإنسان عقليًّا وروحيًّا وأخلاقيًّا، بدلاً من ذلك ركزوا اهتمامهم بتشويه الشريعة من خلال الحديث عن الحدود الشرعية مجردة، من غير بيان السياق الذي شُرعت فيه، والأغراض التي وضعت لها، والظروف التي تُهيأ لتطبيقها، والآثار العملية المترتبة عليها.



والحقيقة أن الحدود ليست إلا وسيلة من وسائل الضبط الاجتماعي، ينبغي أن يسبقها إيجاد الفرد المسلم والمجتمع المسلم وتطبيق القيم والأخلاق الإسلامية بأنواعها المختلفة، ثم تأتي بعد ذلك الحدود التي هي الضوابط التي تحمي ذلك المجتمع وتلك الأخلاق، ولا شك أن تغافل تطبيق الحدود يعتبر نقصًا في النظام الاجتماعي من الناحية الشرعية؛ إذ لا يمكن للمجتمع- أي مجتمع- أن تنتظم أموره دون ضبط اجتماعي.


د. عبد الرحمن البر


وليس التشريع في الإسلام محصورًا في الحدود والعقوبات كما يتصور أولئك الناس أو يصوّرون.



إن التشريع في الإسلام تشريع شامل، ينظِّم العلاقة بين الإنسان وربه، وبين الإنسان وأسرته، وبين الإنسان ومجتمعه، وبين الحاكم والمحكوم، وبين الأغنياء والفقراء، والملاك والمستأجرين، وبين الدولة الإسلامية وغيرها في حالة السلم وحالة الحرب، فهو قانون مدني وإداري ودستوري ودولي... إلخ، إلى جانب أنه قانون ديني.



ولهذا اشتمل الفقه الإسلامي على العبادات، والمعاملات، والأنكحة، والمواريث، والأقضية، والدعاوى، والحدود، والقصاص، والتعازير، والجهاد، والمعاهدات، والحلال والحرام، والآداب، فهو ينظم حياة الإنسان من أدب قضاء الحاجة للفرد، إلى إقامة الخلافة والإمامة العظمى للأمة.



والإسلام هو الدين الوحيد الذي جاء بهذا الشمول والكمال، ولهذا ختم الله به الأديان وأتم به النعمة، كما قال تعالى: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الإِسْلامَ دِينًا﴾ (المائدة: من الآية 3).



ففيه نظام سياسي يضمن سلامة المجتمع وحفظ كرامته وحقوق أفراده وحصول هيبته بين المجتمعات، وفيه نظام اقتصادي يضمن الوفرة والرفاهية والعيش الكريم لمن يعيشون تحت لوائه، وفيه نظام أمني وقضائي يضمن حقوق الناس وأمن المجتمعات، وفيه نظام أخلاقي يعتمد على تربية الضمير الحي في النفس والمراقبة الإلهية أساسًا ومنطلقًا للأخلاق، وفيه نظام اجتماعي يحقق إقامة الأسر والبيوت على أساس متين من الترابط والحب، وهكذا تجد في هذا الدين القويم كل النظم التي يحتاجها الفرد وتحتاجها الجماعة للعيش الآمن الرغيد، والحياة الكريمة المستقرة في الدنيا، وللفوز برضوان الله وجنات النعيم في الآخرة.



أما الحدود فليست سوى السياج والإعلان الناطق بأن المجتمع المسلم يرفض جرائم معينة، ولا يسمح بها بحال من الأحوال، وبأنه مجتمع منضبط غير منفلت، وأنَّ من لم تستقم فطرته، ولم يتوافق مع مجتمعه، ومن يسعى في الإفساد في الأرض بغير حق؛ يجب ضبطه بهذه الحدود لإيقاف شره، ودفع ضُرّه، وزجر غيره ممن هم على شاكلته، أو تحدثهم أنفسهم بمثل إفساده، وقد يَزَعُ الله بالسلطان ما لا يَزَعُ بالقرآن.



أخرج الإمام النسائي وغيره وصححه ابن حبان عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "حدٌ يقام في الأرض خيرُ من مطر أربعين صباحًا" وفي روايةٍ "حدٌ يقام في الأرض خيرُ للناس من أن يُمْطَروا ثلاثين أو أربعين صباحًا".



هذا الحديث الجليل ذكره الإمام ابن حبان تحت عنوان (ذكر الأمر بإقامة الحدود في البلاد, إذ إقامة الحد في بلدٍ يكون أعم نفعًا من أضعافه القطر إذا عمته) أي من كثرة المطر إذا عم البلاد. فتعالوا بنا نتأمل هذا الهدي الكريم.



لماذا تُثار الشبهات حول إقامة الحدود

أيها الأحبة الكرام، إنما يحلو لبعض الكارهين للإسلام, من المستشرقين والعلمانيين, تزييف الحقائق وإثارة الغبار حول الأحكام الشرعية؛ تنفيرًا للناس من هذا الدين, وترويجًا لباطلهم الذي ينكشف زيفه يومًا بعد يوم.



وقد حظيت الحدود الشرعية, بجملة وافرةٍ من سهامهم المسمومة, فوصفوا تلك العقوبات الشرعية, بالقسوة والوحشية, وخوفوا الناس بأن تطبيق الحدود سيعصف بأمن الأمة, ويضرب اقتصادها, حيث ستُهرب أموال الناس, وسينجو الناس بأنفسهم من المجتمع الذي يطبق هذه الحدود, وملأ هؤلاء الدنيا ضجيجًا وصياحًا, بشعاراتٍ براقة خالية من أية مضامين عملية واقعية, بل هي كلمات حق أُريد بها باطل, وذلك مثل شعارات حقوق الإنسان, وحقوق المرأة ونحو ذلك, وهم في واقع الأمر إنما يريدون حريةً أخلاقيةً إباحيةً, تتيح للرجال والنساء قضاء شهواتهم بلا حرج, وتبيح الشذوذ الجنسي بلا خوف, وتسهل تناول المسكر بلا قلق, وتُساعد على استباحة الأعراض وتلويث الشرفاء من غير رادعٍ, وتُعين على حماية القتلة والمفسدين حيثما كانوا, وأينما وجدوا، وبالجملة فهم يريدونها حربًا شاملةً على الأديان كلها والأخلاق والقيم, التي تميز الإنسان عن سائر الحيوانات.



الإسلام دين توازنٍ واعتدال

ونقول لهؤلاء: إن الإسلام ليس دينَ عقوباتٍ بقدر ما هو دين توازن بين الأسباب والنتائج, ولذا فكل عقوبةٍ في هذا المنهج الكريم تقدر بقدرها, ولا تتم إلا بعد أن تزال الأسباب التي يمكن أن تؤدي إليها, بحيث يكون كل من وقع فيها قد وقع بلا مبرر مقبول, ولهذا يُعْنَى الإسلام أشد العناية بتكوين ما يمكن تسميته بالضمير الجماعي, أو ضمير الجماعة, الذي يربي الفرد على الحساسية المرهفة بأداء الواجب قبل أن يطلب أداؤه, والإحساس بالمنكر قبل أن يستفحل شره, وبهذا تكون الحماية الذاتية من المجتمع لنفسه, دون تدخل من القانون.



بل إن الإسلام يضع الشروط والضوابط الشديدة, التي تكاد تحول دون إقامة هذه الحدود, إذ لا يقيمها لمجرد وجود شبهة، فيسقط بذلك الحد, بل ويلتمس للمخطئ وجوه البراءة, وهذا النبي الحبيب- صلى الله عليه وسلم- يقول للرجل الذي جاءه معترفًا بالزنا: "لعلك لمست، لعلك قبّلت..." إلى آخر ما قاله - صلى الله عليه وسلم-، وكأنما يريد أن يفتح أمام الرجل باب الرجوع عن الإقرار والاعتراف ثم يقول- صلى الله عليه وسلم-: "ادرؤوا الحدود عن المسلمين ما استطعتم"، أو كما جاء في بعض الروايات "ادرؤوا الحدود بالشبهات".



الحدود في حقيقتها رحمة بالفرد والمجتمع

أما القول بوحشية العقوبة في مجملها, سواء كانت عقوبة السرقة أو الزنا, فهم ينطلقون من الرأفة بالجاني وإهمال حق المجني عليه، فلو تصور هؤلاء المخدوعون حال المسروق منه, ولا سيما فيما يُعرف بجرائم السرقة بالإكراه, لو تصوروا مقدار الفزع, ومقدار النكبة التي تحل به عندما يفقد ماله, الذي قد يكون ادخره لحاجة ضرورية, أو لعلاج لنفسه أو لأحد أبنائه أو أهله, لو تصوروا ذلك وأنصفوا؛ لأدركوا عظمة الشريعة, التي قررت قطع اليد للسارق, ووضعت هذه العقوبة الرادعة لحماية هذا المجتمع من اللصوص, لو تصوروا حال المجتمع حين ينزجر اللصوص عن جرائمهم, وعن ترويعهم للآمنين, فيعيش المجتمع في أمن وأمان, إذًا لسبحوا بحمد الله العظيم الذي أنزل هذه الشريعة, وقدّر تلك العقوبة.



وليتذكر أولئك المشتبهون, أن الحد لا يقام على السارق الذي سرق بدافع الحاجة والضرورة, ضرورة الحاجة, أو ضرورة إهمال المجتمع له, لو أنه سرق بهذا الدافع وثبت ذلك, وهو في شدة الحاجة, فإن الشريعة تجعل هذه الحالة شبهةً مانعةً من إقامة هذا الحد, لكن الذي يسرق وهو غير محتاج, ويسرق استسهالاً لكسب الرزق, فيأخذ بسهولة ما تعب الناس في جمعه, أو يريد أن يصل بسرعة إلى الغنى الوافر, على حساب الذي كدّوا وتعبوا وأتعبوا أنفسهم, هذا الذي سرق وهو بهذه المثابة, ليست العقوبة شديدةً ولا متجاوزةً للحد, بل عقوبته في مستوى جريمته بلا زيادة.



وأما بالنسبة للزنا فأذكِّر أولئك المغرضين, الغاضبين من عنف العقوبة على حد زعمهم, أن الرجم لا يكون إلا للزاني المحصن, الذي سبق له أن تزوج زوجةً تشبع حاجته, فإن لم تشبعه فإن الإسلام أباح له بأن يتزوج بأخرى, وثالثة ورابعة, أما أن يصر على الزنا, في هذه الحالة فهو شاذٌ منحرف يجب أن يتطهر المجتمع منه ومن أمثاله, وأذكِّر هؤلاء أيضًا بالشروط التي وضعها الإسلام لكي تطبق هذه العقوبة, وهي أن يقر بنفسه وهذا لا يحدث إلا ممن صحا ضميره, وأراد أن يطهر نفسه في الدنيا قبل الآخرة, أو بالبينة التي هي أربعة شهود عدول, يقررون أنهم سمعوا ورأوا كما رأوا الشمس, وهذا لا يمكن أن يحدث إلا إذا أقدم الزاني على ارتكاب فاحشته في مكان عام, وهو بهذا نموذج خرج من حال الإنسانية إلى حال الحيوانية, ومن ثمّ فتطهير المجتمع منه واجب, ولذلك تلاحظ أن هذا الحد لم يُقَمْ في عهد النبي- صلى الله عليه وسلم- إلا على الذين اعترفوا بارتكابهم هذه الجريمة.



الحدود أحد أهم الضوابط الاجتماعية لحياة المسلمين

بهذا يتبين لك أيها الأخ الكريم أن الحدود والعقوبات الشرعية التي فرضها الشارع على من يخالف أحكامه التي نزل بها, إنما هي نوع من الضوابط الاجتماعية, التي تضيف إلى ضمير الفرد رقابةَ المجتمع؛ لتضمن حسن سلوك الفرد والجماعة, ولتضمن أمن الناس وأمانهم, على أن الإسلام في منهجه دائمًا ما يسبق هذا التطبيق, بإيجاد الفرد المسلم والمجتمع المسلم, وتطبيق القيم الإسلامية, بأنواعها المختلفة, وتأتي هذه الضوابط أو العقوبات المشار إليها؛ لكي تكون سياجًا حاميًا لهذه القيم ولهذه المبادئ, ولهذا المجتمع الذي طهره الإسلام ولهذا الفرد الذي طهر الإسلام ضميره, فالتشريع- تشريع الحدود- ليس إلا ضابطًا يُضاف إلى جملة الضوابط التي تتربى في ضمير الفرد وفي ضمير الجماعة؛ ليحفظ على المجتمع أمنه وسلامته, وعفته وطهارته, ولا يمكن لأي مجتمع أن تنضبط أموره إلا بمثل هذا الضبط.



ثم إني أعود لأقول لك: إن التشريع في الإسلام ليس محصورًا في الحدود والعقوبات, وإنما تطبيق الشريعة يعني تطبيق الإسلام كله.



آثار إقامة الحدود على الفرد والمجتمع

وقبل مغادرة هذا الموضوع أذكر لك أيها الأخ الكريم بعض آثار إقامة الحدود, على الفرد والمجتمع؛ حتى يستبين الصبح لكل ذي عينين, ويتأكد لديك زيف ادعاء القسوة والوحشية, الذي يردده المرجفون.



1- تحقيق مقاصد الشريعة من الحفاظ على الدين والنفس والعقل والمال والنسب:

جاءت الشريعة لتحفظ على الإنسان دينه, ولتحفظ عليه عقله, ولتحفظ ماله, ولتحفظ عليه نفسه, ولتحفظ له نسله, ومن ثم جاءت العقوبات والحدود الشرعية, لحماية هذه الحاجات الضرورية التي لا بد من حمايتها, وجاء الحق تبارك وتعالى بهذه الشريعة ليعلن للناس أنه لا سعادة إلا بالانضباط بهذه الحدود, فقال تباركت أسماؤه: ﴿...... فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى (123) وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى (124)﴾ (طه).



وهذا يُبين لك أن شريعة الله التي أنزل بها آدم, وأنزلها على الرسل من بعد آدم حتى خاتمهم, محمد- صلى الله عليه وسلم- هي وحدها العاصمة من الضلال في الدنيا, ومن الشقوة في الآخرة, ولهذا فهي ليست شريعة مقتصرة على إقامة بعض الفروض التعبدية, إنما شريعة شاملة لحاجات الإنسان في هذه الحياة؛ لتحقق له الإطعام من جوع, والأمن من خوف، والراحة من تعب, وتيسر سبيل الأمن في هذا المجتمع.



ولكن الشيطان الرجيم أخذ على نفسه, عداء آدم وذريته, واستطاع أن يحتال طائفة كبيرة من بني آدم عن طريق الحق, وأن يصرفهم عن شريعة ربهم جل وعلا, إلى شرائع أخرى اخترعوها لأنفسهم, فوقع بها الشر والفساد والظلم في الأرض, وأُزهقتْ فيها الأرواح, وسُفكت بسببها الدماء, وسُلبت الأموال, وانتُهكت الأعراض, وعمت الفتن ولا حول ولا قوة إلا بالله.



وإذا كانت البشرية في عصورها السابقة, لم تمتلك التجارب الكافية التي تمكنها من المقارنة, أو الموازنة بين تطبيق شريعة الله وبين شرائع الشيطان, فإنها في عصرنا هذا تمتلك تراثًا ضخمًا, للإسلام وللجاهليات المختلفة عبر العصور, وتستطيع أن تشاهد إلى أي مدى يوجد فارق شاسع, بين المجتمع الذي يطبق فيه شرع الله فيحل فيه العدل والنور والصلاح, وتحفظ فيه الأرواح والأموال والممتلكات, ويحل فيه الأمن والرخاء, وبين المجتمع الذي يطبق شرائع الشيطان فينتشر الظلم, ويعم الفساد بكل صوره وأشكاله.



2- استجلاب بركة الله بهذه الطاعة وإقامة هذه الحدود:

وهذه هي الفائدة الثانية من فوائد إقامة الحدود, فإن بركات الشريعة المطهرة لا تُحصى, والله تبارك وتعالى قد جعل خير الآخرة والأولى منوطًا بتطبيق أمره واجتناب نهيه, قال تبارك وتعالى عن أهل الكتاب: ﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ مِنْهُمْ أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ سَاءَ مَا يَعْمَلُونَ (66)﴾ (المائدة), وإذا كان هذا في أهل الكتاب من اليهود والنصارى, فهو أيضًا ينسحب على المسلمين, فقد قال تعالى: ﴿وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنْ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (96)﴾ (الأعراف) ولهذا ما أرسل الله رسولاً, إلا ذكَّر قومه بأن طاعة الله هي السبيل إلى استدرار رحمته في الدنيا, وإلى استدرار رحمته في الآخرة.



هذا سيدنا نوح- عليه السلام- يقول لقومه: ﴿فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا (10) يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا (11) وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا (12)﴾ (نوح).



وهذا هود- عليه السلام- يقول لقومه ﴿وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ (52)﴾ (هود).



وهذا نفسه ما أمر الله نبيه- صلى الله عليه وسلم- أن يخاطب به الناس, حيث استفتح سورة هود بقول الله جل وعلا: ﴿الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ (1) أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ اللَّهَ إِنَّنِي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ (2) وَأَنْ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ (3)﴾ (هود).



ولا شك أن المؤمنين يصدقون بوعد الله, ويعلمون يقينًا أن خير الدنيا والآخرة هو في اتباع أمره، وتطبيق حدوده وطلب مرضاته.



3- قيام المجتمع على أساس من الفضيلة:

هذا هو الأثر الثالث من آثار إقامة الحدود، وإذا كان هناك من يكذب بهذا الوعد, وعد الخير في الدنيا واستدرار الرحمة بطاعة الله, ولا يرى رابطًا بين إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة والصوم من جهة, وبين نزول المطر ووفور الزراعات ورواج التجارات من جهة أخرى, إذا كان هناك من لا يصدق بهذا الوعد الإلهي فإن ثمة روابط مادية كثيرة يشاهدها كل ذي بصر من مؤمن وكافر, بين تَنَزُّل رحمة الله وحفظ الأمن وسعة الرزق، وبين تطبيق أمر الله تبارك وتعالى، فالعبادات تربيةٌ وتزكيةٌ لضمير الفرد, وتوجيهٌ له نحو البر والإحسان, ومحبة الخير للناس, والذي يحافظ على الصلاة يعلم أنها تنهاه عن الفحشاء والمنكر, والذي يؤدي الزكاة تربط قلبه بقلوب الناس رابطة من الشفقة والمحبة, والذي يصوم حقيقةً يرق قلبه ويمتلئ بتقوى الله- جل وعلا-, وهذا بلا شك يجعل الإنسان يجيد عمله, يجيد في صناعته, يجيد في زراعته, لا يغش في تجارته, لا يقبل الرشوة, يحافظ على الأموال العامة من الضياع, يخاف من ربه تبارك وتعالى. والمجتمع الذي يكون أفراده على هذه الأخلاق الكريمة, أو على الأقل تكون أكثرية أفراده على هذا النحو سيكون مجتمعًا للرخاء والثروة وزيادة الإنتاج.



ولا شك أيضًا أن في إخراج الزكاة أعظم فائدة في نماء الأموال، والقضاء على الثورات والشحناء التي تشل الاقتصاد, وتوصل البلدان إلى الخراب والدمار.



والحج الذي قد لا يبدو للناس أن له صلة بما نحن فيه, الحج هو عبادة تقرب بين الشعوب, وتجمع بين القلوب, وتقرب المسلمين من الأقطار المختلفة, فتحصل المودة ويحصل التبادل, للمنافع التجارية والزراعية وأخرى وغيرها, والعالم كله يسعى لعقد مؤتمر كالحج, تنتفي فيه الفروق بين البشر, لكنه لا يستطيع.



إذًا تطبيق شريعة الله ومن ضمنها الحدود, تجعل المجتمع قائمًا على أساس من الفضيلة, وبالتالي يتعاون الأفراد مع بعضهم على حفظ مجتمعهم.



وأختم هذه الفوائد بفائدة في غاية الأهمية، وهي:

4- نزع شوكة الفساد من الأرض:

في مجال المعاملات نجد أن تطبيق أحكام الشريعة لها نتائج هي أعظم النتائج في حياة الناس, إذ الشريعةُ بما قرر بها الحق- جل وعلا- تستهدف رفع الظلم, وإقامة العدل في الأرض, ولا شك أن الظلم يتبعه الخراب, وأن العدل يتبعه الرخاءُ والنماء, والظلم مدمر, والعدل معمر, ومن ثمّ فتطبيق شريعة الله تعني انفتاح البركات وزيادة الخيرات ولا شك عند كل ذي لب, من مؤمن أو كافر, أن إقامة الحدود, أعني العقوبات الشرعية, هي من أكبر أسباب زيادة الخيرات والبركات, لأن قطع يد السارق تعني المحافظة على الأموال, وخروجها من المخابئ, ليعمل بها الناس في التجارات, والزراعات, والصناعات؛ لأن رأس المال كما يقولون جبان, فإذا توفرت له الحماية خرج, وفي خروجه مصلحة للأمة وللبشرية, لكن إذا انتشرت اللصوصية, وقطعت الطرق, وإذا انتشر الظلم, فإن المال يختبئ, وإن صاحبه يهرب به.



وأيضًا قتل القاتل فيه ردع عن الجريمة المسببة لخراب العمران, وتقطيع أوصال المجتمعات.

وتنفيذ حد الزنا قاطع لدابر البغاء, وإنفاق الأموال في غير وجهها. كم من الأموال تصرف في هذه الرذيلة, وفي هذا البغي؟ إذا قُطع دابر الزنا فإن هذه الأموال تنفق في وجهٍ صحيح, ولا تتجه إلى تدمير طاقات الأمة, كذلك إقامة حد الزنا يقطع الطريق على إنجاب أولاد الزنا, أو من يُسمّوْن بالأولاد غير الشرعيين, الذين هم آفة المجتمعات؛ لأن الطفل الذي ينشأ لا يعرف له أبًا, يمتلئ قلبه بالحقد والكراهية على هذا المجتمع, ويسعى في ظلم الناس متى وجد الفرصة لذلك, إذ يرى أن هذا المجتمع ظلمه, حين حرمه من أبٍ يحتضنه, أو من أبوةٍ صحيحةٍ, وأبوةٍ شرعيةٍ راشدةٍ, ولهذا فإن غالب المنحرفين والمجرمين في المجتمعات هم من هذه الفصيلة.



أما المجتمع الإسلامي الذي يظهر على ذلك النحو من النظافة والطهر, فلا شك أنه سيكون مجتمع الخير, والبركة والنماء. ففيما الإنكار إذًا؟



على أن ثمة روابط وأسبابًا مباشرةً, تراها كل عين ويفقهها كل قلب, بين تطبيق الشريعة المطهرة ومنها إقامة الحدود, وبين الرخاء المادي والسعادة الدنيوية, وصدق الله العظيم ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (97)﴾ (النحل).



نعم أيها الأخ الكريم! "إقامة حدٍ في الأرض خيرٌ من مطر أربعين صباحاً" وإن نظرةً فاحصةً إلى حال المجتمعات التي تطبق هذه الشريعة, وحال المجتمعات التي تخلت عن تطبيقها, وإن قراءةً سريعةً في إحصائيات الجرائم في هذه البلاد وتلك؛ ليكشف بجلاء مدى الأمن الذي تتمتع به البلاد التي تطبق أمر الله, ومدى الرعب والخوف الذي يسكن في قلوب المجتمع الذي لا يطبق هذه الحدود الشرعية.



أسأل اللهَ العظيمَ أن يهيئ لأمتنا أمرًا رشدًا, تُطبق فيه شريعته, ويؤمر فيه بالمعروف ويُنهى فيه عن المنكر, ويكتب الله فيه لهذه الأمة السعادة والهناء, والاستقرار والرخاء, إنه ولي ذلك والقادر عليه.

وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

-----------

exclusive 13 ربيع الثاني 1430هـ / 8-04-2009م 14:20

بارك الله فيك اخي الغالي

تحياتي لك


الساعة الآن » 00:52.

Powered by vBulletin
.Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd