الإبداع الفضائي

الإبداع الفضائي (https://www.fadaeyat.co/)
-   المواضيع الإسلامية (https://www.fadaeyat.co/f5/)
-   -   قدوتنا في التحرك بالقرآن (https://www.fadaeyat.co/fadaeyat5019/)

ابو نضال 26 ربيع الأول 1430هـ / 22-03-2009م 00:16

قدوتنا في التحرك بالقرآن
 
تصوري أنك أتيت بخادمة، أنفقت على ذلك الكثير، ولم تقصري معها في مأكلٍ ولا ملبس ولا راتب، بل قمت برعياتها وتعليمها حتى صارت صالحة للقيام بالعمل، وعندها أعطيتها مجموعة من الأوراق تحتوي على مهامها وتفصيلات أعمالها في كل شأن من الشئون.. "المنزل – الطفل – الكلابس – الطعام.. إلخ" ثم تركت المنزل في الصباح بعد إعطاء التعليمات لها فيما يجب عليها القيام به، ثم تكون المفاجأة بعد عودتك من الدوام، فالطفل يصرخ ولم تتبدل ملابسه المبتلة والمتسخة، والطعام لم يُعد، والمنزل لم ينظف ولم يرتب، والملابس لم تغسل، والخادمة تؤكد لك أنها قامت بقراءة الأوراق بعناية واهتمام، بل ربما حفظت أجزاء منها، فماذا يكون موقفك من الخادمة؟ وكم من الزمن تصبرين عليها؟ وماذا يكون رد فعلك حين تطلب منك الطعام والكساء والدواء؟



أليس هذا حالنا مع القرآن؟ نقرؤه يوميًا ونفهمه، وقد نحفظ الكثير منه، ولكننا لا نعمل به ولا نتحرك به كما يحب ربنا ويرضى، ثم ننتظر بجرأة وأحيانًا بغفلة- الطعام الفاخر والمسكن الواسع والسيارة الفارهة، والدواء الناجع، والله سبحانه الحليم الكريم يمهلنا ولا يعجل لنا العقوبة، بل إنه سبحانه قد أرسل لنا الرسل: ﴿مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ﴾ (البقرة: 213)، ثم أرسل لنا خاتمهم صلى الله عليه وسلم الذي كمُل به الدين وتمت به النعمة أرسله ربه ليكون رحمة للعالمين وقدوة وأسوة للمسلمين، قدوة في فهم القرآن، وفي تدبر القرآن- ولا غرو- فقد كان صلى الله عليه وسلم ترجمان القرآن، قرآنًا يمشي على الأرض، وصدقت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها فيما أثر من قولها "كان خلقه القرآن".



وأنت أيها المسلم قد تكون من المواظبين على قراءة القرآن، ولكننا ندعوك بجانب قراءتك في المصحف، أن تتعرف على القرآن المتحرك في الدنيا؛ من خلال تعرفك على رسول الله صلى الله عليه وسلم وسيرته وأفعاله وأقواله، ولذا فإننا سوف نقوم فيما يلي بتسليط الضوء على جوانب من حركته صلى الله عليه وسلم بالقرآن.




كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتنزل عليه القرآن، فكان أول من يعمل به ويطبقه ويلتزم به، لا عن طاعة وإذعان فقط، بل حبًا لربه سبحانه وتعالى، حبًا ملك عليه فؤاده، وخالط عظامه، واستشرى في عروقه، وامتزج بنبضات قلبه وومضات فكره، وصاحبه في صحوه ومنامه، فكان تطبيقه صلى الله عليه وسلم للقرآن تطبيق المتلهف لصدور الأمر لكي ينفذه على الفور بكل ما تستطيع نفسه الزكية وهمته العالية.



يأمر القرآن بالصدع بالدعوة، وإنذار عشيرته الأقربين فيمتثل على الفور، ويواجه القوة الضاربة المؤثرة في مكة بما تكره وبما تنكر وهو الفرد الأعزل.



يأمر القرآن بالدعوة إلى الله، فتكون حياته كلها منذ بعث حتى قبض صلى الله عليه وسلم دعوة إلى الله لا تهدأ ولا تكل.. يأمره القرآن بالصبر والثبات، فيكون ثباته في مكة ثبات الجبال الشم الرواسي.



يأمره القرآن بالجهاد فتكون مدة وجوده في المدينة جهادًا لا يتوقف ولا يستكين، سرايا وغزوات وبعوثًا يتلو بعضها بعضًا.



يأمره القرآن بالبذل والعطاء، فيعطي عطاء من لا يخشى الفقر، ويجود جود الريح المرسلة.. يأمره القرآن بالوفاء بالوعد والعهد، فلا يجد أعداؤه من يثقون بعهده ووعده إلا هو.. يأمر القرآن بالعفو، فيعفو عن أشد خصومه عداوة، عفو القادر المتمكن.



يأمره القرآن بالرحمة، فيكون أرحم بالمسلمين من الأم بصغارها.. يأمره القرآن بالعدل فيعدل العدل الذي يعجب له الأعداء قبل الأصدقاء.. يأمره القرآن بالقسط في العقوبة، فيترك ما كان يزمع ويصبر ابتغاء ثواب الله.



يقص عليه القرآن قصص الأنبياء، ثم يأمره أن يقتدي بهم وبهداهم: ﴿أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمْ اقْتَدِهِ﴾ (الأنعام: 90) فتتمثل فيه صلى الله عليه وسلم صفاتهم التي استحسنها رب العزة فيهم:

- استقامة نوح على دعوته

- عزم إبراهيم ورحمته

- إخلاص موسى وصلابته

- زهد عيسى ورقته

- تسليم إسماعيل لربه ومشيئته

- تأويب داود وطاعته

- شكر سليمان وحكمته

- إحسان يوسف وعفته

- صبر أيوب على محنته




وإذا كان الرسل- جميعًا- قد أُمروا بالتوحيد وأوحي إليهم: ﴿أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدُونِ﴾ (الأنبياء: 25) فالرسول صلى اله عليه وسلم هو خير من طبق وهو خير من نفذ، وهو خير من ربَّى أمته على ذلك، ولم يترك بابًا من أبواب الشرك الظاهر، أو الخفي إلا ونهاهم عنه.



ولما كان المقام لا يستع لضرب الكثير من الأمثلة التفصيلية في هذا المضمار، فسنكتفي بسرد بعض نماذج شكره وحمده صلى الله عليه وسلم لربه تطبيقًا لما جاء في القرآن الكريم.



فالقرآن يقول: ﴿بَلْ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنْ الشَّاكِرِينَ﴾ (الزمر: 66) والرسول صلى الله عليه وسلم يستهل يومه عند صحوه بقول "الحمد لله الذي أحيانا بعد إذ أماتنا وإليه النشور"، ويبدأ نهاره بقوله:"أصبحنا وأصبح الملك لله، والحمد لله لا شريك له وإليه النشور" وبقوله: "اللهم ما أصبح بي من نعمة أو بأحد من خلقك فمنك وحدك لا شريك لك فلك الحمد ولك الشكر"، وفي المساء يقول مثل ذلك.



والقرآن يقول: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ﴾ (البقرة: 172)، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول بعد طعامه "الحمد لله الذي أطعمني هذا ورزقنيه من غير حول مني ولا قوة".



والقرآن يقول: ﴿لِيَأْكُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ أَفَلا يَشْكُرُونَ﴾ (يس: 35)، والرسول صلى الله عليه وسلم بعد فراغه من الطعام أيضًا يقول: "الحمد لله الذي أطعمنا وسقانا وعلنا مسلمين".



والقرآن يقول: ﴿وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ﴾ (الأعراف: 31)، والرسول صلى الله عليه وسلم يقرر حقيقة واقعية "نحن قوم لا نأكل حتى نجوع، وإذا أكلنا لا نشبع".



ويوصي أصحابه بقوله: "في الماء سرف ولو على نهر جار"، والقرآن يقول: ﴿لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجًا فَلَوْلا تَشْكُرُونَ﴾ (الواقعة: 70)، والرسول صلى الله عليه وسله بعد فراغه من شربه يقول: "الحمد لله الذي جعله عذبا فراتًا برحمته ولو يشاء لجعله ملحًا أجاجًا بذنوبنا".



والقرآن يقول: ﴿فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنْ السَّاجِدِينَ﴾ (الحجر: 98) ويقول: ﴿وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا وَمِنْ آنَاءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ﴾ (طه: 130)، والرسول صلى الله عليه وسلم لا يكفّ لسانه عن ذكر الله قبل طلوع الشمس وبعد غروبها، مع الأذان وبعد الأذان وقبل الصلاة، وفي الصلاة وبعد الصلاة، وفي كل مناسبة وعارضة وحدث أثناء الليل والنهار، أي أن يومه كله والشطر الأكبر من ليله تبيح وتحميد وتكبير وتهليل واستغفار ودعاء.



أما الصلاة، فإذا كان القرآن يقول: ﴿يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ* قُمْ اللَّيْلَ إِلاَّ قَلِيلاً* نِصْفَهُ أَوْ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً* أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلْ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً﴾ (المزمل: 1-4)، فالرسول صلى الله عليه وسلم يحيي ليله ويقف مناجيًا ربه حتى تتورم قدماه، متمثلاً ما أثر عنه صلى الله عليه وسلم "أفلا أكون عبدًا شكورًا".



بل إن القرآن يقرر هذه الحقيقة الرائعة التي تعدت الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم إلى بعض صحبه رضي الله عنهم: ﴿إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِنْ ثُلُثَي اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَائِفَةٌ مِنْ الَّذِينَ مَعَكَ﴾ (المزمل: 20)، ويقرر ذلك في موضع آخر ﴿وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ* الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ* وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ﴾ (الشعراء: 217-219).



هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم قدوتنا وأسوتنا:

نهاره: عمل ودعوة وجهاد وقضاء وبيان، وتوجيه وذكر وعبادة، وليله: تهجد ودعاء ونجوى لخالقه سبحانه، مع قدرٍ من الهجوع، تمر الليالي والسنون وهذا دأبه لا يتغير ولا يتحول.



هو رسولنا الذي تنزَّل عليه القرآن، وهو خير من فهم القرآن، وهو خير من تدبَّر القرآن، وهو خير من بيَّن القرآن، وهو خير من علَّم القرآن، وخير من تمثَّل القرآن، فماذا يقول عنه القرآن؟ ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ (الأحزاب: 56).



-----

exclusive 26 ربيع الأول 1430هـ / 22-03-2009م 00:56

بارك الله فيك اخي الغالي

تحيااتي لك


الساعة الآن » 20:19.

Powered by vBulletin
.Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd